
من أرشيف المرجع الراحل السيد محمد صادق الحسيني الروحاني قدس سره:
أعنف وأشد وأوضح بيان وجهه المرجع الراحل في العام 1391 للهجرة الموافق 1971م الى الرئيس العراقي احمد حسن البكر ولعله رحمه الله كان أول من نبّه في بيانه هذا الى الدور الخطر الذي اضطلع به صدام حسين على مستقبل العراق وأهله.
فقد حذر من التداعيات الكارثية لسلوك صدام على الصعيد العالمي وذلك من خلال استهدافه للحوزة العلمية في النجف الاشرف، وللمقدسات فيها وفي كربلاء المقدسة وعلى المرجعية الدينية في ذالك الوقت، ومدى ما يشكله ذلك من طعن لما تمثله النجف وتمتاز به من التراث العلمي والعقائدي .. وهدد بمواجهة مفتوحة ، في قراءة مستقبلية تكشف عن النظرة الثاقبة والبصيرة الوقادة التي كان يتمتع بها رضوان الله تعالى عليه نحو المستقبل..
واليوم ونحن في شهر ذي القعدة الحرام وفي تاريخ ذاك البيان الذي بعث به المرجع الراحل الى الرئيس العراقي وبعد مضي 53 سنة على ذاك التاريخ فإننا ننشر النص مع الصورة:
بيان عن الامام المجاهد آية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني دام ظله الوارف
بسم الله الرحمن الرحيم
الى الرئيس المهيب احمد حسن البكر رئيس الجمهورية العراقية
لا ندري هل ان ما يصنعه صدام حسين وزمرته برضا منك ودراية؟
ام أنك أصبحت مغلوبا على امرك؟ لا تستطيع دفع ظلم، ولا رد اعتداء، وإن صدام هو الحاكم المطلق الذي يفعل ما يشاء، ويصنع ما يريد.
فما هكذا - أيها الرئيس - يُصنع بالنجف ومن يَمُتُّ للنجف وكربلاء في زمن تزعم انك فيه تدافع عن الحريات ! وتناضل عن الحيف والعدوان !!..
فالنجف الذي خدم الدين والإسلام، وخدم لغة القرآن اكثر من الف عام. والذي كان وما زال - الى عصركم هذا - هو المنار الذي تُبَث من أعلاه كل العلوم الإسلامية، والذي انتج فلاسفة والهيين، وفقهاء ومحدثين، وادباء ومتأدبين، وشعراء ومتكلمين يعجز القلم عن تعدادهم، والبيان عن ذكر أسمائهم.
والنجف الذي يعجز عن ذكر مآثره الإسلامية حتى الذي ألَّفَ الياذة والف شاهنامة، والنجف الذي ما دان لغير الإسلام، وما سبح لغير الله ، ولا نطق بغير لغة القرآن حتى في العصور المظلمة التي كانت فيها المراكز العلمية في البلاد الإسلامية تسبح باسم الاتراك وتعتقد ان أعمالهم الدينية لا تتم الا بالدعاء لهم والتمرغ على اعتابهم.
نعم! كربلاء والنجف اللذان صنعا لك ولأمثالك هذه الكراسي التي تجلس عليها انت وزمرتك اليوم بثورة العشرين التي قامت على يد رجالهما الابرار وفرسانهما الاشاوس الذين حاربوا الإنكليز ومهدوا لاستقلال للعراق بدماء الشهداء وصنعوا الحكومة التي تترأسها انت اليوم، ويتحكم فيها صدام وزمرته، ويزعم ان اهل النجف خوارج ! يجب مكافحتهم،
يقولها بغير خجل ولا اختشاء ويبثها عبر برامج إذاعة البعث العراقي !.
لقد عرفنا نوايا - صدام – السيئة، حينما اقدم على غلق جامعة الكوفة الإسلامية وسلب أموالها المرصودة لها وتعذيب رجالها القائمين بأمرها، لا لشيء الا لأنهم يمتّون للنجف بالعقيدة والولاء، مع ان ذلك من ابسط حقوقهم المشروعة التي لا تكلف الحكومة، وتخدم العلم والثقافة ، والتي هي حق من حقوق الانسان الذي يرغب في ذلك في كل عصر وفي كل مكان.
وعرفنا نواياه السيئة – ونوايا زمرته – حينما اتهم بعض القائمين بمشروع جامعة الكوفة بالجاسوسية، وشرده من وطنه وبلاده وضيق على آية الله الحكيم أشد التضييق ، لأن ابنه طلب منكم عن لسان والده انصاف النجف، فنال ما نال من تهم قذرة، ومن إرهاب وتبعيد، ونال والده رحمه الله اقسى أنواع الإهانة والتحقير.
عرفنا كل ذلك ، ولكنا تخيلنا ان الامر سينتهي عند ذلك ولم نعرف ان صدام يريد تصفية النجف من كل رجالاتها، ويريد تجريد النجف من كل معنوياتها، ويريد الباس النجف لباسا لم نعرفه في كل أدوارها الا اليوم، وحينما قمتم باعمال بربرية تندى منها جبين الإنسانية ولم تشبهها بربرية حتى في احلك عصور الجهل والطغيان.
أيها الرئيس!
لا نريد شغبا، ولا نريد خلق الفتن ( فهي ) تحيط بالمسلمين في كل مكان، وإن العدو يتربص بالمسلمين الدوائر سواء كان في الفلبين او في باكستان او في فلسطين او في غيرها من بلاد الإسلام.
ولكنا نريد حقا مشروعا ، نريد أمرين لا ثالث لهما:
نريد ان تكون العتبات المقدسة في العراق ليست ملكا لأحد، بل هي أماكن مقدسة إسلامية يأمها كل من أحب، ويقصدها كل من يرغب من غير تفاوت ولا تمييز في لغة او جنسية او لون، اسوة بساير الأماكن المقدسة في العالم، وان تعتبر العتبات المقدسة خارجة عن السياسات الدولية المتضاربة في كل زمان ومكان.
ونريد ان تكون النجف الاشرف جامعة إسلامية كبرى ينهل من علومها كل من احب ويقصدها - للعلم والتحصيل - كل من من أراد.. هذا كل ما نريده..
فإن استطعت - أيها الرئيس! - ان تتغلب على صدام وزمرته، وتعطينا عهدا موثقا على ذلك، اغمضنا عن كل الجرائم السابقة التي كان اهونها تشريد النساء والأطفال من عقر دورهم في شتاء قارص مثل شتاء هذا العام والا دعونا المسلمين في كل مكان لجعل يوم - نختاره - عطلة عامة حدادا على ما قمتم به من منكرات ثم نرفع شكوانا لمجلس الامن وجامعة الأمم.
فإن انصفونا، والا رجعنا لثالثة الاثافي مرغمين على ذلك ودعونا المسلمين في العراق وايران ولبنان والكويت والبحرين وباكستان وكل مكان يصله صوتنا ويلبي دعوتنا للثورة ضد الفرقة الباغية المسماة (البعثية) المارقة...
فما اكراد الشمال باشد منا شكيمة ولا حقوق باكستان الشرقية بأجل من حقوقنا ولا المبكى ومهد المسيح بأعز من مرقد علي والحسين عليهما السلام.
أيها الرئيس!
عسى ان تتدبروا الامر على حقيقته ، وتقفوا موقفا صلبا امام المردة والطغاة وتخمدوا الفتنة قبل اشتعالها فالأمر جدّ لا هزل فيه
وسلام الله على كل من عرف الحق فاتبعه وعرف المنكر فاجتنبه.
عن علماء الشيعة
محمد صادق الحسيني الروحاني
ايران – قم : الحوزة العلمية، ذي القعدة الحرام 1391.