عن الجعالة والرهان؟ تحديد المصداق..

حجم الخط:
السؤال

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

مركز الامام الصادق (ع) للثقافة والتوجيه.

سماحة العلامة الشيخ مصطفى مصري العاملي حفظه المولى.

نتوجه اليكم بالسؤال عن مسألة كثر مؤخرا حولها الكلام والنقاش.

وتعددت فيها الاقوال التي وصلتنا - ومنها رأيكم الكريم - بين مثبت ونافي..

آملين الحصول منكم على البيان الشافي، مع توضيح مفصل ولكم الشكر.

موضوع المسألة: يتعلق بإعلان ترويجي انتشر مؤخرا لأحد المطاعم في لبنان ويهدف صاحبه الى لفت الأنظار وكسب الزبائن من خلال تقديم عرض مشروط لهم.

ويتضمن الإعلان عرضا موجها للعموم للاشتراك لديه بمبلغ مائة دولار (كمثال) ويحصل على أساسه كل مشترك على قطعة كبيرة من (البيتزا (، تؤهله فيما لو أكلها في وقت محدد على أن يحصل على جائزة ألف دولار مقدمة من صاحب المطعم.

مع العلم أن قيمة الاشتراك تفوق بأضعاف قيمة قطعة البيتزا المقدمة للمشترك.

وقد نُقل إلينا تعدد الأجوبة المنسوبة لبعض أهل العلم حول الحلية والحرمة.

فمنهم من قال انه حرام، باعتبار أن هذا من مصاديق الرهان المحرم، ناسبين ذلك الى بعض العلماء في مكتب سماحة المرجع السيد السيستاني حفظه الله في بيروت.

ومنهم من قال أنه جائز وحلال باعتباره من باب الجُعالة، وهي جائزة شرعا، ناسبين هذا القول لسماحتكم خاصة وأنكم تمثلون رأي سماحة المرجع الراحل السيد محمد صادق الروحاني قدس سره، على طبق مبانيه.

وقال بعض أهل العلم: أن هذه من المسائل الخلافية فليرجع كل مكلف الى مرجعه.

والسؤال هو: هل صحيح ما وصلنا عن ذلك؟ وهل الاشتراك جائز فعلا في مثل هذه الحالة؟  وهل كسب الجائزة حلال أم حرام؟ فما هو القول الفصل في ذلك؟ وما هو الوجه فيه؟ وبالتالي الا يمكن للمكلفين التفريق بين الرهان المحرم، وبين الجُعالة المباحة من خلال تحديد ضابطة واضحة للمكلفين؟ للتمييز بينهما؟

وما هي إن وجدت؟ يا حبذا لو تبينون لنا ذلك بشي من التفصيل.

ولكم الشكر مع فائق الاحترام والتقدير لجنابكم الكريم.

                                                                                    الشيخ أبو مهدي... لبنان

                                                                                               

الجواب
الجواب:

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

نعم ما نقل اليكم صحيح، إذ أن ما قلناه في المسألة أنها من مصاديق الجُعالة المحللة وليست من مصاديق الرهان المحرم، وهو ما يتضح من خلال البيان التفصيلي التالي:

أولا: لا خلاف بين فقهائنا في الحكم بحلية الجُعالة وحُرمة الرهان بالإجمال باستثناء ما ثبت جوازه بدليل خاص لبعض صور الرهان (كما في مسائل السبق والرماية).

وبالتالي قد يُشكِل الامر على البعض في تشخيصهم الموضوعي لمسألة ما في كونها من الرهان المحرم او من الجعالة المباحة بسبب ما يبدوا انه تشابه في بعض الجوانب بينهما، لذا لا بد من التدقيق في المسألة من خلال الإحاطة والالتفات الى ما يتقوم به الرهان وما تتقوم به الجعالة، وعندها تتضح حقيقة الحكم الذي يرتكز على التمييز بين الرهان المحرم وبين الجُعالة المباحة.

ثانيا: في تعريفهما يقال: الرهان والمراهنة، هو عقد اتفاق بين طرفين على دفع مال لمن يسبق أو ينجح في أمر معين، وغالبًا ما يكون في سياق المسابقات أو التحديات.

وحكمه أنه محرم شرعا في أغلب الحالات، وهو من مصاديق أكل المال بالباطل، ولكنه يجوز في حالات ورد فيها ترخيص شرعي خاص ضمن باب (السبق والرماية) ولها تفاصيلها واحكامها الخاصة.

 أما الجُعالة فهي من الايقاعات، وهي التزام من شخص بدفع مال لمن يؤدي عملًا معينًا سواء كان نفع العمل له او للعامل او لطرف ثالث وهو جائز بإجماع الإمامية.

ثالثا: الفرق بين الرهان والجُعالة هو فيما يُتَقَوّم به كل منهما، إذ لكلٍ خصوصيته.

فالرهان يتقوم بشيئين: أولهما إنه اتفاق بين طرفين، وثانيهما وجود رابح وخاسر. وهذا هو الركن الأساسي للرهان الذي يعني وجود مخاطرة مالية بين الطرفين، بحيث يدفع الخاسر مالا للرابح، كما يحصل في مباريات التحدي او المسابقات.

أما الجعالة فتتقوم بشيئين: أولهما أنه التزام من طرف واحد بدفع مال لمن يعمل عملا معينا، بلا فرق بين أن تكون فائدة العمل للجاعل او للعامل او لطرف ثالث. فالركن الأساسي فيه أنه عرض من طرف واحد، دون إلزام الطرف الآخر بالقبول.

وثانيهما فيه احتمال تحصيل الربح للعامل، وليس فيه خاسر كما في الرهان.

رابعا: يتضح مما مر بيانه وتوضيحه ان المسألة في مورد السؤال هي من مصاديق الجُعالة المحللة الجائزة وليست عملا محرما فهي ليست من مصاديق الرهان المحرم

وذلك أن مقومات الجعالة متحققة، إذ أنها ليست اتفاقا بين طرفين معينين، بل هي التزام من طرف واحد وهو صاحب المطعم الذي يتعهد بدفع جائزة معينة لمن يقوم بالعمل المعين ممن تنطبق عليه الشروط المحددة في الوقت المحدد الذي يحدده.

وليس فيها بعد العمل خاسر مطلقا كما هو الحال في الرهان بل هناك احتمال بتحصيل الربح لكل مشترك في حال تمكنه من الاكل المعين في الوقت المحدد.

و ليس في حقيقتها شيء مما يتقوم به الرهان، فالثابت أنها جعالة محللة .

  خامسا: قد تطرح بعض الاشكالات حول الحكم بالحلية  بأن يقال مثلا:

إن الجعالة تكون مقابل عمل محترم يقوم به من يستحق الجعالة فهل هذا منه؟

والجواب: نعم ، فإن اقدام الشخص على اكل الطعام بوقت قياسي يجعله متميزا عن غيره فينال بذلك الجائزة، وهذا عمل محترم جائز ولا مانع منه شرعا.

وقد يقال ما هي الفائدة التي تتحقق للجاعل؟ والجواب: لا يشترط في الجُعالة ان تكون فائدة العمل للجاعل بل يمكن ان تكون للعامل او لطرف ثالث. ومع ذلك فالفائدة المرجوة للجاعل هي في الترويج لمحله وإيجاد الداعي لدى الزبائن.

وقد يقال إن ما دفعه المشترك هو أكثر بكثير من قيمة الطعام المقدم له، الا يؤدي هذا الى الغرر؟ والجواب إن معنى الغرر هو ان يشتري الانسان شيئا بأكثر بكثير من قيمته الفعلية مع جهله بالقيمة الحقيقة، وأما مع علمه بالتفاوت فلا غرر حينئذ.

 وقد يقال ان الدافع للاشتراك هو الرغبة بالفوز بالجُعالة، وهذا لا مانع منه شرعا. وقد يقال أن صاحب المطعم اشترط ان تكون الجعالة للفائزين من المشتركين لديه بالطعام الذي سيقدمه، دون غيرهم، واشتراكهم هو مقابل مبلغ مالي.

وان وضع هذا الشرط للمخاطبين بالجعالة هو شرط جائز لا مانع منه فالمشترك يكون قد اشترى قطعة البيتزا بأكثر من قيمتها ليحقق شرط كونه مشتركا.  

سادسا: هذه المسألة ليست من صور الاختلاف في الفتوى التي يتعين فيها على كل مكلف ان يرجع فيها الى مرجع تقليده تبعا لاختلاف المباني، بل مبنى فقهائنا فيها واحد، لكن قد تحصل الشبهة في تشخيص الموضوع بين كونه رهانا او جُعالة.

فإن ثبت ان المسألة من مصاديق الرهان المحرم فيُحكم بحرمتها عند جميع الفقهاء، وإن ثبت انها من باب الجُعالة كما بيَّنا واوضحنا فيُحكم بحليتها عند جميع الفقهاء. نعم هناك صورة لمعاملة أخرى يحكم فيها بالحرمة لانها تكون رهانا، وقد تبدوا عند البعض انها شبيهة بهذا الموضوع، وهي فيما لو كان اعلان صاحب المطعم بصيغة أخرى كما يحصل في الرهانات بأن يقول: اذا اكلت هذه القطعة من الطعام في الوقت المحدد فلك ألف دولار، وان عجزت عن ذلك فعليك ان تدفع مائة دولار،

فحينئذ تكون المعاملة محرمة لأنها حصلت بين طرفين محددين تراهنا على عمل معين، وفيها رابح وخاسر، فمثل هذه المعاملة من مصاديق الرهان المحرم.

سابعا: نستطيع ان نوضح الفارق العملي بين المسألتين بين صورة الجواز وصورة الحرمة بالقول انه في المسألة الأولى الجائزة فإن المشترك سيستلم قطعة البيتزا التي دفع ثمنها اضعاف قيمتها لكي يصير مشتركا، وتصير ملكا له

فله أن يتصرف بها بما يشاء بعد ان صارت ملكا له، فيمكنه مثلا اخذها دون ان يأكلها في الوقت المحدد لكسب للجائزة. ولن يكون قد خسر بذلك شيئا بل غاية ما يكون قد حصل هو أنه دفع مبلغا اكبر من قيمتها باختياره وهذا لا مانع منه شرعا، حتى لو كانت غايته هي التمكن من الاشتراك.

النتيجة: ان موضوع السؤال في صورته المذكورة هو عمل جائز وحلال لناحية أصل الاشتراك، فهو ثمن للحصول على قطعة البيتزا الغالية التي تؤهله لاخذ الجائزة في حال الفوز ، فما تتقوم به الجعالة متحقق.

وزيادة في التوضيح فإن الجُعالة قد تكون عامة او مقيدة بشرط، وقد تكون موجهة لفرد دون غيره، وقد تكون موجهة لأفراد تتوفر فيهم صفات او شروط معينة.

وهذا ما هو متحقق في المسألة دون أي من مصاديق الرهان المحرم كما مر بيانه.

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!