السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثمة روايات صحيحة في مصادر الدرجة الأولى لدينا، تتحدث عن ( الرجل يزوج عبده أمته ثم يشتهيها) وانه يمكن ان يقول لعبده : ( اعتزلها فإذا اعتزلها، وطئها ثم يردها عليه إذا شاء ) الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - الصفحة ٤٨١
فكيف تنسجم امثال هذه الروايات مع كتاب الله الداعي الى العفة والطهارة ؟ واي عفة او طهارة يمكن ان نجدها في ( امرأة ) تتقلب بين زوجها وسيدها ويتقسم قلبها وعاطفتها بين الإثنين؟
ثم ما حال الأولاد الذين يرون ( امهم) على هذا الحال والصفة؟
وهل سينشؤون نشأة سوية كما ارادها الله تعالى ؟
واي زوج هذا الذي يشاهد ( زوجته) تذهب الى غيره بين فترة واخرى لا لشيء إلا لأنه ( اشتهى زوجته)؟
للانصاف فإنَّ نتيجة امثال هذه الروايات هو ان نتخرَّج لنا زوجًا بلا (غيرة) وزوجة ليس بينها وبين( المومس) فرق كبير، وأبناء هم نتاج تلك الصفتين.
من شأن امثال هذه الروايات، ان تجعل مذهب اهل البيت عليهم السلام اضحوكة الضاحكين في نظر النواصب واللادينيين واشباههم وتفسد على ابنائنا دينهم ،
فهل من جواب تطمئن له النفس وتقرَّه الفطرة السليمة ويتقبله العقل السوي وينسجم مع ما نعرفه من اخلاق اهل العصمة والطهارة - عليهم السلام- يرحمكم الله ؟
الجواب: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ما ذكرتموه من تساؤلات ابتنى على عدم إحاطة بموضوع الرواية وامثالها، وللتوضيح والبيان نقول:
أولا: هذه المسألة تندرج تحت عنوان أحكام العبيد والإماء والتي كانت في زمانها تشكل العصب الأساس لاقتصاد المجتمعات والتي عمل الإسلام بشكل حثيث للتخلص منها بشكل تدريجي بحيث أوجب على كل مسلم يرتكب بعض أنواع الأخطاء ان يكفر عن خطأه بعتق رقبة، إضافة الى الحث على المبادرة للعتق، كما كان يفعل زين العابدين عليه السلام بكثرة شراءه العبيد سنويا وتعليمهم ثم عتقهم وتحريرهم، وبالتالي فقد شرع الإسلام مجموعة قوانين واحكام تنظم العلاقة مع العبيد والاماء فيما بينهم وفيما بينهم وبين اسيادهم لكي لا تكون العلاقة بلا ضوابط كما كانت سائدة في المجتمع الجاهلي بل تخضع لأحكام وقوانين تتناول جميع شؤونهم.
ثانيا: بما أن المجتمع البشري قد استطاع ان يتخلص من حالة الرق التي لعب الإسلام في الوصول اليها دورا محوريا كما أشرت من خلال التشريعات فإن الكثير من فقهاءنا وعلمائنا ومنهم المرجع الراحل السيد الروحاني قد تركوا البحث في احكام العبيد والاماء لانتفاء موضوعها وبالتالي انتفاء الحاجة اليها، وهو ما أشار اليه في اكثر من جواب ومنها الغاؤه هذا الباب من الرسالة العملية المشروحة منهاج الصالحين، إذ لم تعد هناك من ثمرة عملية لمثل هذه الأبحاث وبالتالي للاحكام المتعلقة بها.
ثالثا: إن بيان الاحكام الشرعية لكل مسألة وفق ما يذكره الفقيه لا يرتكز على مجرد رواية حتى لو كانت صحيحة في مصدر معتبر، بل للفقيه آلية ومنهجية في البحث تمهيدا للوصول الى الحكم الشرعي، وتعتمد على البحث البحث في جميع النصوص المتعلقة بالموضوع، مع الأدلة الأخرى التي يعتمد عليها الفقيه، فهو يبحث عن دلالة النص ويبحث عما يعارضه من نصوص او من أدلة وعند حصول التعارض ما هي المرجحات ؟ وهكذا..
إذن ليست الاحكام الشرعية عندنا بهذه السهولة والبساطة التي قد يتصورها البعض فيما لو وجد نصا معينا لكي يبني عليه تصورات ويذهب به الخيال بعيدا في التحليل والاستنتاج والذي يكون بعيدا عن الواقع كما في التساؤلات التي ذكرتموها والتي توهمت ان التشريع عندنا لهكذا موضوع هو بهذه البساطة والسهولة بحيث تنتقل الامة بين زوجها ومالكها كيفما شاء مالكها ومتى أراد! هذا من الاستنتاجات الخاطئة التي لا أساس لها على الاطلاق.
رابعا: مع ملاحظة ما تقدم ان الحكم الشرعي في مسألة العبيد والاماء خاضع كما اسلفت لضوابط ومنها انه لا يجوز للمالك ان يقترب من أمته بعد أن يكون قد زوجها لعبده ساعة يشاء بل لا بد من حصول الانفصال الشرعي بين العبد وزوجته وانتظار انتهاء العدة الشرعية المقررة وبعدها تصير محللة لسيدها،
تماما كما يحصل في غير العبيد، فيما لو تزوجت امرأة ثم طلقت واعتدت وعادت لتتزوج زوجها الأول بعقد جديد..
وكما ان الشريعة وضعت حدا في الطلاق بحيث انه اذا تكرر وتكرر الزواج ووصل الى حد معين تحرم عليه مؤبدا. لكي لا يصبح الزواج والطلاق العوبة بين الناس، فكذلك الحال في احكام العبيد والاماء للمسألة ضوابط تراعي هذا المبدأ من جهة وتراعي قوانين واحكام الرق من جهة أخرى.
خامسا: نستطيع القول ان الإسلام سن القوانين والتشريعات لمنع حصول مثل تلك الإشكاليات التي وردت في سؤالكم، ولمنع حالة التفلت التي كانت قائمة في المجتمعات والتي يمارس فيها المالك حرية مطلقة بلا قيود، بل فرضت مجموعة من الضوابط والاحكام، التي تنظم هذه العلاقات وفق ما يتوافق مع الفطرة الإنسانية وينسجم مع مصالح المجتمع خاصة في تلك الفترة، ومع انتهاء عهد العبيد فلم يعد من أثر لمثل هذه الاحكام .