• الموقع : مركز الإمام الصادق (ع) للثقافة والتوجيه .
        • القسم : بيانات .
              • الموضوع : حديث حول سماحة المرجع الراحل السيد الروحاني، وبيان ارشادي لمقلديه .

حديث حول سماحة المرجع الراحل السيد الروحاني، وبيان ارشادي لمقلديه

بِسْمِ‏ اللَّهِ‏ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين

سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الغر الميامين  وبعد :

قال الله في كتابه الحكيم ، بِسْمِ‏ اللَّهِ‏ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ  ، لِكُلِ‏ أَجَلٍ‏ كِتاب‏..(38 الرعد)

فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ‏ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ (34 الاعراف) صدق الله العلي العظيم

وقبيل اكتمال سني العمر .. المائة.. ها قد بلغ الكتاب اجله..

فترجل الفارس عن  صهوة الجواد.. بعد أن امضى عمره الشريف في ميدان المواجهة..

مواجهةٌ لتحصيل المعرفة بدأها الراحلُ فتى يافعا يصول في ميادينها من جوار جده امير المؤمنين عليه السلام في النجف الاشرف ويغوص الى اعماقها صائدا للآلئها، فيصل الى مبتغاه مبكرا، متقدما على الاقران.. ويحصد في كل عام  زرع سنوات..

ويعود شابا الى مدينته التي ولد فيها ليستقر بجوار عمته فاطمة المعصومة، متزودا بسلاح العلم والمعرفة، ومتوجاً بالإخلاص  والإرادة والعزيمة وكان أن منحه الله فراسة المؤمن الذي ينظر بنور الله ليصول في ميدان نشر المعرفة باللسان وبالقلم، فراح يبذل جهدا لا يعرف الوهن أو الكلل، وغدا ركنا متيناً بين الاساطين، يشار اليه بالبَنَان،  فكان فقهُ الصادق واحدةً من شذى المعرفة التي فاح أريجها من على منابر الاعاظم من قم الى النجف الاشرف، وتطايرت أخبارها عبر الرسائل من بلد الى بلد ، لتتربع هذه الموسوعة الفقهية الكاملة، والمنجزة في أصعب الظروف التي عايشها أيام  النظام البائد، تتربع على عرش المكتبة التي يحتاجها كل باحث في فقه الشريعة وأحكام الحياة ، عالما كان أو مجتهدا وهي تزداد تألقا بين الساعين للوصول الى المراتب العليا.

فكما أحيا الشهيد الثاني متن اللمعة الدمشقية التي كتبها الشهيد الأول، بشرحه وبيانه لها بعد أن حولها من صفحات قليلة الى مجلدات عشر، فغدا اتقانهما عنوانا لتقييم كل متعلم، مما خلد الشهيد الأول بلمعته والشهيد الثاني بشرحه.

فكذا كان فارس الميدان السيد محمد صادق الحسيني الروحاني الذي حول متن تبصرة المتعلمين من صفحاتها القليلة الى موسوعة فقه الصادق بأجزائها الواحد والأربعين لتأخذ موقعها عبر الأجيال وتخلد كاتبها.. فهي الصدقة الجارية التي لا يتوقف أثرها ونتاجها علما ينتفع به كل باحث، تضيء أمامه طرق المعرفة، وتبقى حسناتها ترفد صاحبها الى يوم الدين.

لم يكتف الفارس في معركة الدفاع عن الرسالة بذلك، بل خاض معركة المواقف الصلبة في شتى ميادين المجتمع وفي كل الظروف، فكان ممن لا يسكت عن باطل ولا يهادن على ما يراه من محاولة لحرف المجتمع عن أصالته والتزامه، وكان يعتقد أنه في الأمور المفصلية يتعين على العالم ان يظهر علمه مهما كان الثمن الذي عليه ان يدفعه، ومهما كان حجم المعاناة فإنها وإن لم تؤثر في القريب العاجل فلا شك في أن أثرها سيظهر في المستقبل، وإن لم تؤثر صلاحا واستقامة، فإنها تؤثر في ردع انتشار الباطل، فدرء المفسدة أولى من جلب المصلحة.

لذا فقد واجه نظام الطاغوت البائد الذي حاول ابعاد الناس عن أسس الشريعة وعاث في الأرض فسادا فدفع سيدنا الراحل الثمن غاليا، نفيا وسجنا وتضييقا الى ان سقط نظام الطغيان..

وتحقق الانتصار.. فلم يطمع بحطام او يسعى اليه متمثلا بقول جده امير المؤمنين عليه السلام وَ إِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا ، ومع ذلك فلَم تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِم‏ مع قريب كان أو بعيد، فلم يكن ليتوانى عن اعلان موقفه الصريح والحاسم من كل قضية لا يراها تنسجم مع العقائد الحقة او موازين الشرع  الحنيف، مقدما النصح والإرشاد لمن يتقبله، فدفع من اجل ذلك ضريبة كبيرة في حياته  ، فبعض أساء به الظن، وبعض لم يتحمل آثار نصحه وارشاده ومواقفه.

لم تضعف السنون المتمادية والمعاناة القاسية من ارادته، ولم توهن من عزيمته، فكان هو هو.. طوال مراحل حياته، صاحبَ الإرادة الصلبة، والابتسامة الهادئة، والكلمة الواضحة والصريحة، مجاهدا بالكلمة والموقف، بالقول والعمل.

لم يفت من عضده شيء مهما كان نوعه ومن أي كان، إذ كان يضع كل ذلك بعين الله.

كان متيماً بجده الامام الحسين عليه السلام، كيف لا.. وقد تفتحت عيناه  قبل 99 عاما في أيام شهادة جده في محرم 1345، فكانت له مع الحسين عليه السلام في كل يوم جلسة وأيما جلسة!..

كان يقرأ في كل صباح زيارة عاشوراء بصورتها الكاملة قبل ان يشرع في إعطاء دروسه... يقرأها مع ترداد الفقرات الأخيرة منها مائة مرة لكل واحدة منها.. كما ورد في نص الزيارة  المعتبرة .

ترجل الفارس ليستريح من هم الدنيا وغمها في أيام شهادة أمه الزهراء عليها السلام، حيث كان يجلس حاسر الرأس عند ذكر مصيبتها التي كان يحييها على طبق الروايات الثلاث وما بينها.

أسلم الروح في الأيام الفاطمية وحملت الملائكة روحه الطاهرة الى بارئها وشيعته الملائكة المقربون كما يقول امير المؤمنين عليه السلام عن تشييع المؤمنين، ليكون مع أولئك الَّذينَ تَتَوَفَّاهُمُ‏ الْمَلائِكَةُ طَيِّبينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

كان ذو نفس مطمئنة من أنها ستكون راضية مرضية، في جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتي‏ وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْب‏. مطمئنا الى ذاك اليوم الذي تجتمع فيه الخصوم عند بارئها حيث تُوَفَّى‏ كُلُ‏ نَفْسٍ‏ ما عَمِلَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ، نعم كان يعيش الاطمئنان في كل أيام حياته .

رحم الله الراحل الكبير، فقد كان ممن ينطبق عليهم بصدق قول جده أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع الْمُؤْمِنُ الْعَالِمُ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ إِذَا مَاتَ ثُلِمَ فِي الْإِسْلَامِ ثُلْمَةٌ لَا يَسُدُّهَا شَيْ‏ءٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.  .. نعم ثلم برحيله ثلمة لا يسدها شيء الى يوم القيامة.

اليوم وبعد أن ودعناه الى مثواه الأخير بجوار عمته فاطمة المعصومة الذي كان مواظبا على زيارتها في حرمها مرة في الأسبوع بعد أداءه صلاة صاحب الامر في مسجد جمكران، كان لا بد لي وامتثالا لوصاياه من توجيه بيان ارشادي حول موضوع التقليد الى مقلدي سماحة المرجع الراحل الصادق اسما وقولا وعملا، الفقيد السعيد، الذي عاش سعيدا بولائه لأئمة الهدى، ومات سعيدا بحبهم، تغمده الله تعالى بواسع رحمته، لكي لا تأخذهم العواطف بعيدا عن التكليف الشرعي.

لذا لا بد من تبيين بعض الأمور وفق القواعد الشرعية التي يجب مراعاتها والالتزام بها من مقلدي سماحة المرجع الراحل السيد محمد صادق الحسيني الروحاني قدس سره الشريف.

إنه وعلى وفق القواعد الشرعية العامة التي أصّلها فقهاء الطائفة الحقة ومنهم فقيدنا الراحل أنه بعد رحيل مرجع التقليد لا بد من ملاحظة الأمور التالية:

  1. يسقط التزام مقلدي المرجع الراحل بفتاواه المتعلقة بباب التقليد فورا، وبشكل خاص مسألة جواز البقاء على تقليد الميت وعدمه، ويتعين عليهم الرجوع في هذه المسألة الى من يقوم الدليل الشرعي المعتبر على أنه أعلم الاحياء بعد وفاة من يقلدونه لمعرفة رأيه في هذه المسألة، ويرتبوا على ذلك الاثر.

  2. كل مكلف هو مسؤول عن الحجة الشرعية في تحديد من يجب الرجوع اليه، ولا يصح على الاطلاق ان تكون العودة بناء لرغبة او ميل شخصي الى من نراه يفتي بما ينسجم مع الرغبة، إلا في مورد التساوي بينهم فيمكن للمكلف الاختيار وفق رغبته.

  3. عندما يرجع المكلف الى من قام الدليل لديه انه الاعلم، أو اختاره بين المتساوين فينظر في رأيه في مسألة البقاء على تقليد الميت ويعمل على طبقه، إذ الاقوال في ذلك ثلاثة مع تفاوت في بعض الجزئيات.

الرأي الأول: يرى عدم جواز البقاء على تقليد الميت مطلقا، وفي هذه الحالة يتعين على المقلدين الانتقال بشكل مطلق الى المرجع الجديد.

الرأي الثاني: يرى جواز البقاء على تقليد الميت الاعلم، وفي هذه الحالة يكون المكلف مخيرا بين البقاء على تقليد الميت الاعلم وبين العدول الى اعلم الاحياء.( وفق تفصيل في محله)

الرأي الثالث: يرى وجوب البقاء على تقليد الميت الاعلم مطلقا، وفي هذه الحالة يجب البقاء على تقليد المرجع الراحل طالما انهم يعتقدون باعلميته.

  1. لا بد أيضا من ملاحظة رأي المرجع الاعلم الحي، فإن كان يرى عدم جواز تقليد الميت ابتداء فلا يجوز تقليد المرجع الراحل ابتداء، ولكن فيما لو كان رأي المرجع الحي هو وجوب تقليد الميت الاعلم مطلقاً، أو وفق تفصيل ينطبق على المكلف ، فإنه يتعين حينئذ على المكلف تقليد الميت ابتداء حتى ولو لم يكن مقلدا له في حياته.

  2. تسقط الوكالات الممنوحة من قبله الى وكلائه المنتشرين في شتى الاصقاع.

  3. يسقط استخدام ختم المرجع الراحل عن الاعتبار من تاريخ وفاته، اذ لم يعد له من مورد للاستعمال، ولن يكون بعد رحيله صدور لأي شيء باسم المكتب بل سيكون نشر تراثه جزءا من عمل مركز الامام الصادق عليه السلام للثقافة والتوجيه والذي أسس برعاية سماحة المرجع الراحل من خلال فرعيه في لبنان وقم المشرفة.

  4. يمكن للمكلفين الذين بقوا على تقليد المرجع الراحل، أو الذين يقلدوه ابتداء استنادا الى فتوى أعلم الاحياء الاعتماد على الفتاوى والاحكام المنشورة سابقا بتوقيع المرجع الراحل – عدا مسائل التقليد المشار اليها آنفا –.  كما يمكنهم الاعتماد على ما ينشر على طبق فتاواه.

في يوم وداعنا للفقيد الكبير الى مثواه الأخير بجوار عمته فاطمة المعصومة عليها السلام عزاؤنا الى بقية الله الأعظم أرواحنا فداه والى المراجع العظام والى جميع الموالين والمؤمنين والى عموم المسلمين والى مقلدي سماحته وتلامذته.

 قم المشرفة         يوم الاحد: 23 جماد الأولى 1444 الموافق: 18 كانون الأول 2022

                                                             الشيخ مصطفى مصري العاملي


  • المصدر : http://www.alsadeq.net/subject.php?id=3
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 03 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28